في عصر المنافسة: هل تضعف هيمنة غوغل في عالم الإنترنت؟

في عصر المنافسة: هل تضعف هيمنة غوغل في عالم الإنترنت؟

هل سيساهم حكم قضية غوغل في تغيير أسلوب استخدامنا للإنترنت؟ يبرز هذا التساؤل بقوة بعد الحكم التاريخي الذي أدان هذه الشركة بممارسات احتكارية. فبعد سنوات من السيطرة على سوق البحث، تواجه غوغل الآن تحديات قانونية قد تعيد تشكيل مشهد التكنولوجيا كما نعرفه.

هل سنشهد ظهور منافسين جدد قادرين على تحدي عملاق البحث؟ وكيف سيؤثر ذلك على جودة نتائج البحث التي نحصل عليها يوميًا؟ وما الآثار المحتملة على خصوصيتنا في عصر البيانات الضخمة؟ تتزايد هذه التساؤلات في ظل التحول الجذري الذي تشهده صناعة التكنولوجيا. فقد حكم قاضٍ فدرالي أميركي في الأسبوع الماضي بأن شركة غوغل تصرفت بشكل غير قانوني للحفاظ على احتكارها في مجال البحث على الإنترنت، وهو قرار تاريخي يستهدف هيمنة شركات التكنولوجيا الكبرى وقد يغير سلوكها في المستقبل. الدعوى القضائية تتهم غوغل بترسيخ هيمنتها بطريقة غير قانونية، ومنها دفع مليارات الدولارات سنويًا لشركات أخرى مثل آبل وسامسونغ لتكون غوغل هي المشغلة الرئيسية لطلبات البحث على هواتفها الذكية ومتصفحات الإنترنت التي تستخدمها. ويُشبه تقرير في صحيفة نيويورك تايمز ما حدث مع غوغل بما حصل عام 2000، حيث ساهم حكم مكافحة الاحتكار في الولايات المتحدة ضد مايكروسوفت في تأسيس قواعد المنافسة لأكبر شركة تقنية في ذلك الوقت. حينها، أعلن قاضٍ فدرالي أن مايكروسوفت استغلت قوتها الاحتكارية من خلال نظام تشغيل ويندوز، فأصدر أمرًا بتقسيم الشركة.

لكن مايكروسوفت استأنفت قرار التقسيم، ومع ذلك تم الاعتراف بالنتائج القانونية الأساسية. بعد ذلك، هيّئت مايكروسوفت من فرض شروط تعجيزية على شركائها في الصناعة، وأُمرت بفتح بعض تقنياتها أمام الشركات الأخرى، مما منعها من السيطرة المطلقة على الإنترنت، كما ذكرت نيويورك تايمز.

تأثير واسع النطاق

يعتقد خبراء المجال أن الحكم الذي صدر في قضية مكافحة الاحتكار ضد غوغل قد يؤدي إلى إعادة صياغة قواعد المنافسة في قطاع التقنية، مما قد يؤثر على كيفية استخدامنا للإنترنت في الفترة المقبلة. وأشارت ريبيكا هاو ألينسورث، الأستاذة في كلية الحقوق بجامعة فاندربيلت والتي تدرس موضوع مكافحة الاحتكار، إلى أن “هذه هي الأهم في قضايا مكافحة الاحتكار في هذا القرن، وهي البداية من مجموعة كبيرة من القضايا التي ستوجه ضد الشركات التقنية الكبرى”.

“تعتبر هذه لحظة تاريخية.” وأشار بيل باير، الذي شغل منصبًا رفيعًا سابقًا في مجال مكافحة الاحتكار بوزارة العدل الأمريكية، إلى أن حكم غوغل يعدّ بالغ الأهمية لأنه “يطبق على أكبر شركات التكنولوجيا مبدأ أنه حتى لو كنت مهيمنًا، فلا يحق لك استغلال تلك الهيمنة بشكل خاطئ.”

كما يعتقد مارك واينشتين، أحد المختصين في مجال الخصوصية، أن هذا القرار هو قرار سليم وقد طال انتظاره، وأن الحكم لديه القدرة على إعادة تشكيل صناعة التكنولوجيا نحو الأفضل. هذه الدعوى القضائية تُعد واحدة من سلسلة دعاوى ترفعها الحكومة الأمريكية ضد الشركات الكبرى في مجال التقنية.

اتهمت الجهات الرقابية شركات آبل وأمازون وميتا بانتهاك قوانين مكافحة الاحتكار، حيث تفضل هذه الشركات منتجاتها الخاصة على المنصات التي تديرها، كما تسعى للاستحواذ على منافسين أصغر في السوق. من المحتمل أن يؤثر الحكم الذي صدر بحق غوغل، بالإضافة إلى التعويضات المحتملة التي قد يحددها القاضي، بشكل عميق على هذه القضية، بما في ذلك دعوى قضائية ثانية ضد الشركة تتعلق بتقنيات الإعلانات عبر الإنترنت، والتي من المقرر أن تُعرض على المحكمة الشهر المقبل، وفقًا لصحيفة نيويورك تايمز.

ماذا يُمثّل هذا القرار بالنسبة لشركة غوغل وقطاع التكنولوجيا بشكل عام؟

هذا أكبر سؤال يطرح بعد القضية.

يحدد قرار القاضي مرحلة قانونية جديدة يجب فيها تحديد التعديلات أو العقوبات التي ينبغي تطبيقها على غوغل لحماية المنافسة.

يمكن أن يكون لنتيجة هذا القرار أثر كبير على قطاع التكنولوجيا، حيث قد تتضمن التغييرات إجراءات صارمة مثل إلزام الشركة بتفكيك أجزاء من إمبراطورية خدماتها على الإنترنت، أو منعها من إنفاق مبالغ ضخمة سنويًا لضمان أن يبقى بحث غوغل هو محرك البحث الافتراضي على أجهزة آيفون وغيرها.

أو قد يقرّر القاضي أن التغييرات الأقل تأثيرًا فقط ضرورية لحماية المنافسة والمستهلكين، مما يُبقي غوغل في وضعٍ يتسبب لها في أضرار نسبية قليلة.

وأي تغييرات مفروضة ستحدث في وقت حاسم في المجال، حيث تتنافس غوغل مع مايكروسوفت وغيرها لتكون في صدارة الصناعة مع دخولها عصر الذكاء الاصطناعي.

قبضة رقمية حديدية

في تسعينيات القرن العشرين، كانت مايكروسوفت تهيمن بشكل قوي على أنظمة التشغيل الأساسية، حيث هيمن نظام تشغيلها ويندوز على تجربة المستخدم في أكثر من 90% من أجهزة الكمبيوتر الشخصية.

واليوم، تمتلك غوغل سيطرة مشابهة في مجال البحث على الإنترنت. لكن الوضع قد اختلف بالنسبة لمايكروسوفت بعد أن أصدر أحد القضاة حكمًا يعتبرها شركة احتكارية.

قام المشرعون برفع الدعوى بعد أن بدأت شركة مايكروسوفت حملة ضد شركة ناشئة تُدعى “نتسكيب”، والتي كانت رائدة في مجال متصفحات الإنترنت.

فرضت مايكروسوفت على مصنعي الحواسيب الشخصية اتفاقيات منعتهم فعليًا من تقديم برنامج “نتسكيب” على أجهزتهم.

وفي نهاية المطاف، تم منع مايكروسوفت في عقودها من فرض قيود على مصنّعي الحواسيب الشخصية من تقديم برامج أخرى.

وفقًا لبعض المتخصصين في مكافحة الاحتكار، فإن الجهود والتكاليف والاهتمام العام الرافض جعلت شركة مايكروسوفت تصبح أكثر حذراً في تصرفاتها المستقبلية. وعلى عكس مايكروسوفت، تعتبر غوغل شركة إنترنت تعمل بنموذج أعمال مختلف تمامًا، حيث تعتمد بصورة أساسية على الإعلانات بدلاً من بيع تراخيص البرمجيات كما تفعل مايكروسوفت. وقد اكتشفت المحكمة في قضية غوغل أيضًا أن عقود الشركة تستبعد المنافسين بشكل غير قانوني.

لكن، على عكس مايكروسوفت، كانت عقود غوغل أقرب إلى التحفيز بدلاً من التهديد، حيث قدمت للشركاء في الصناعة مبالغ كبيرة بدلاً من استخدام الضغوط، وقدمت لشركات الهواتف الذكية وموردي المتصفحات أكثر من 26 مليار دولار في عام 2021، وفقًا لشهادة المحكمة، مقابل جعل محرك البحث الخاص بها هو المحرك الافتراضي في أجهزة ومتصفحات تلك الشركات.

تمنع هذه الاتفاقات المنافسين المحتملين من الوصول إلى الحجم الكافي لمنافسة الشركة، مما يسمح لجوجل بفرض أسعار أعلى على المعلنين دون وجود ضغوط تنافسية، كما أوضح مارك واينشتين.

هيمنة غوغل

في قضية غوغل، تم تصنيف البيانات كعنصر حيوي للغاية.

كلما زاد عدد استفسارات المستخدمين التي تمر عبر محرك البحث، تزايدت البيانات المجمعة التي تُستخدم لتحسين نتائج البحث، مما يجذب المزيد من المستخدمين ويولد المزيد من البيانات. ومن جانبها، أوضحت شركة غوغل في بيان صادر عن رئيسها للشؤون العالمية كينت ووكر، أن القرار يعترف بأن “غوغل توفر أفضل محرك بحث، لكن يُستنتج أنه لا ينبغي السماح لنا بتقديمه بسهولة”.

في المحكمة، أوضحت غوغل أن محرك البحث الخاص بها هو الأبرز في مجاله لأنه منتج فريد، وأن البيانات تعتبر مهمة بالفعل، لكن البرمجيات الذكية التي تقدمها الشركة هي ميزتها الحقيقية. كما أشارت إلى أن العقود التي أبرمتها كانت صفقات حرة مع شركائها في الصناعة. ومع ذلك، واجهت غوغل صعوبة في توضيح سبب دفعها مبالغ كبيرة للحصول على ميزة الانتشار مع هؤلاء الشركاء، رغم أن برمجيات البحث لديها تُعتبر من بين أفضل التقنيات المتاحة.

في عام 2020، قامت وزارة العدل الأمريكية والولايات المتحدة برفع دعوى قضائية ضد غوغل بسبب سيطرتها على سوق البحث عبر الإنترنت، الذي يحقق لها أموالاً طائلة تصل إلى مليارات سنويًا.

ذكرت الوزارة أن محرك البحث غوغل يسيطر على حوالي 90% من عمليات البحث على الإنترنت، وهي نسبة اعترضت عليها الشركة. كما أن الشركة تصرف مليارات الدولارات سنويًا لتكون محرك البحث الافتراضي على متصفحات مثل سفاري التابعة لشركة آبل وفايرفوكس الخاصة بشركة موزيلا.

دفعت شركة غوغل لآبل حوالي 18 مليار دولار لكي يكون محرك بحثها هو المحرك الافتراضي على أجهزة الشركة في عام 2021، وفقًا لما ذكرته صحيفة نيويورك تايمز. وتؤكد الحكومة الأميركية أن هذه المدفوعات التي تصل إلى مليارات الدولارات لتصبح غوغل المحرك الافتراضي على أجهزة المستهلكين تحرم المنافسين من القدرة على إنشاء قاعدة عمل واسعة تنافس محرك بحثها.

ولكن ما قامت به غوغل هو تجميع مزيد من المعلومات حول المستهلكين، واستخدمتها لتحسين محرك البحث الخاص بها وزيادة هيمنته. وقد تأيّد القاضي مع الحكومة، مشيراً إلى أن غوغل كانت تحتكر خدمات البحث العامة على الإنترنت.

لقد أثرت اتفاقات الشركة لتكون محرك البحث الافتراضي على الأجهزة ومتصفحات الويب سلباً على المنافسة، مما جعل من الصعب على المنافسين مواجهة هيمنة غوغل. وأخيراً، يعتبر مارك أن عمر صناعة التكنولوجيا على الإنترنت لا يتجاوز 30 عاماً، وأنه من المبكر جداً أن يتم إغلاق الأبواب أمام السوق الحرة، والسماح لمجموعة صغيرة من شركات التكنولوجيا بالسيطرة دون أي اعتراض.

المصدر الجزيرة نيوزويك نيويورك تايمز

Share this content: